من: نهى النحاس
مباشر: في سباق العملات والسلع ومؤشرات التداول الذي يبدأ مع انطلاق كل عام جديد كان الذهب هو الرابح الأكبر، ولم يكتفي المعدن الأصفر من السير على هذا النهج بأداء ثابت بل حقق قفزات واسعة في فترة زمنية قصيرة.
في 3 أيام فقط (جلسات 25 و28 و29 يناير) ربح المعدن الأصفر 30 دولاراً، حيث وصل إلى أعلى مستوى في 8 أشهر متخطياً حاجز 1317 دولار للأوقية، كما أن المعدن سجل ارتفاعات بنحو 2.2% منذ بداية العام وحتى جلسة 28 يناير.
ومع هذا الصعود المتتالي القوي، نرصد أبرز الدوافع وراء مكاسب الذهب الكبيرة في الأيام الماضية.
انعدام الاستقرار التجاري
انعدام الاستقرار في الساحة التجارية العالمية، كان سبباً رئيسياً وراء مكاسب الذهب، حيث أن غياب الاستقرار كان عامل وراء هبوط سعر الدولار وبحث المستثمرين عن أصول ملاذ أمن يلجئون إليها.
وفقد مؤشر الدولار الرئيسي 0.8% من قيمته خلال أخر 3 أيام تداول، ما دعم الطلب على الذهب.
ومع بداية العام تصور المستثمرين أن الوفاق التجاري بين الصين والولايات المتحدة سيتطور على نحو إيجابي، وذلك مع إعلان واشنطن أنها لن تطبق تعريفات جمركية جديدة ضد الصين لمدة 3 أشهر وتأكيد الصين على الأمر نفسه.
كما أن واشنطن عززت تلك التكهنات بزيارة وفد أمريكي إلى بكين في الأسبوع الأول من العام، وتأكيد الجانبين على إحراز تقدم إيجابي.
ولكن الأمور لا تسير دائماً على هذا النسق، فوزير التجارة الأمريكي ويلبر روس أعلن في الأسبوع الماضي أن الولايات المتحدة على بعد أميال من التوصل إلى اتفاق تجاري مع الصين، "بصراحة، لا يفترض أن يكون ذلك أمراً مثيراً للدهشة".
وتدهورت الأمور بعد توجيه الولايات المتحدة اتهامات إلى شركة "هواوي" والمدير المالي بها متعلقة بالاحتيال، والأدهى منذ ذلك أن تلك الاتهامات تزامنت مع تواجد نائب رئيس مجلس الدولة الصيني في واشنطن لعقد جولة جديدة من المباحثات.
وعلى الرغم من تأكيد وزير الخزانة الأمريكي على أن الاتهامات ضد شركة الهواتف الصينية هواوي "قضية منفصلة عن المباحثات التجارية، فإن ذلك رفع من جديد درجة الشكوك بشأن الفصل في الصراع التجاري.
تقلبات أسواق الأسهم
وفي نهاية العام الماضي غلب الأداء السلبي على أسواق الأسهم العالمية، الأمر الذي زاد مع بداية العام الجاري، خاصة مع تخفيض شركة "آبل" تقديرات الأرباح للعام الماضي، الأمر الذي أثر على أسهم الشركة والموردين داخل البورصة الأمريكية وخارجها.
وبالرغم من ذلك إلا أن الأسهم مع مرور الأيام تمكنت من تسجيل التعافي النسبي داخل الأسواق الأمريكية والأوروبية والآسيوية، بالتزامن مع إحراز التقدم الإيجابي في المباحثات التجارية، حيث أنهى الأسبوع الماضي على مكاسب للأسبوع الخامس على التوالي.
ولكن هذا التطور الذي يعد إيجابي في أسواق الأسهم يتخلله لحظات تراجع والناتج عن إعلان أداء أعمال الشركات والتي تتباين من واحدة إلى أخرى.
كما أن بعض المحللين يراهنون على أن هذا التطور لن يدوم، وسيعقبه لحظات ضعف أخرى.
وقال بيتر أوبينمر رئيس استراتيجية السلع العالمية في بنك "جولدمان ساكس إن التعافي الحالي في أسواق الأسهم هو رد فعل بعد النظرة السلبية للغاية للمستثمرين في نهاية العام الماضي نتيجة للتوترات التجارية الأمريكية الصينية ومفاوضات البريكست والمخاوف المتعلقة بالنمو العالمي.
وعلى الرغم من ذلك فإنه يرى أن هناك حدود لتلك الارتفاعات، "بشكل أساسي نتوقع نمو ضعيف للأرباح على مدار العام الجاري في أسواق الأسهم الرئيسية، ومن شأن ذلك أن يحد من الجانب الصعودي".
تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي
ولايزال شبح تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي والذي بدأ منذ منتصف العام الماضي هو سيد الموقف حتى اللحظة الراهنة، فالبيانات الاقتصادية محبطة على نحو واسع، الأمر الذي يرفع الشكوك تجاه الأصول الخطرة ويدفع المستثمرين للبحث عن أصول ملاذ آمن مثل الذهب للاحتماء بها.
وتعد الصين هي أكثر الجوانب قتامة، خاصة مع إعلان ثاني أكبر اقتصاد في العالم تسجيل أبطأ وتيرة نمو في 28 عاماً خلال العام الماضي وذلك بنحو 6.6%.
وليست الصين فقط، إنما ألمانيا أيضاً عانت من أبطأ وتيرة نمو في 5 سنوات خلال 2018، حيث ارتفع الناتج الإجمالي المحلي بنحو 1.5% مقابل 2.2% في 2017.
كما أن هناك تقارير صحفية أفادت أن الحكومة في ألمانيا خفضت تقديرات نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 1% خلال عام 2019 مقارنة مع توقعات الربيع.
ومع تلك البيانات القاتمة خفض المركزي الأوروبي تقديرات نمو الناتج الإجمالي المحلي في منطقة اليورو عن العام الجاري و2020، حيث يتوقع أن يُسجل مستوى 1.5% في 2019، وذلك مقابل توقعات البنك الأخيرة عند مستوى 1.8%.
وعلى مستوى العام المقبل فأن البنك يرى أن النمو سيُسجل مستوى 1.5%، وهو أيضاً مستوى أقل من التقديرات السابقة عند 1.6%.
كما أن صندوق النقد الدولي خفض تقديرات النمو الاقتصادي العالمي عن العام الجاري و2020 للمرة الثانية في 3 أشهر، حيث يتوقع في الوقت الحالي أن ينمو الاقتصاد العالمي في العام الجاري بنسبة 3.5%، مقابل التقديرات السابقة عند 3.7%.
وعلى مستوى 2020 فإن الصندوق يتوقع أن ينمو الناتج الإجمالي العالمي بنسبة 3.6% وهو مستوى أقل بنحو 0.1% عن تقديراته في أكتوبر الماضي.
تنامي الانقسامات السياسية
وعلى الرغم أن الشهر الأول من العام الجاري لم ينقضي حتى الآن إلا أنه كان شاهداً على انقسامات سياسية عديدة حول العالم.
وفي الولايات المتحدة، انتهى الإغلاق الحكومي الجزئي الذي بدأ مع نهاية العام الماضي وامتد حتى 25 يناير، ليكون الأطول في تاريخ الولايات المتحدة.
ونجم عن هذا الإغلاق استمرار 800 ألف موظف حكومي في الولايات المتحدة في العمل بدون أجر، أو عدم العمل وعدم تلقي أجر على الإطلاق.
وأظهر هذا الإغلاق عمق الخلاف بين الكونجرس والبيت الأبيض حيث أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تمسك بمطالبه بتمويل بناء جدار عازل ووسط تعنت من جانب الحكومة.
وقدر مكتب الميزانية في الكونجرس الأمريكي أن الإغلاق الحكومي كلف اقتصاد الولايات المتحدة نحو 11 مليار دولار.
كما أن الخسائر قُدرت بـ3 مليارات دولار، أو 0.1% من الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الأخير من عام 2018.
وفي المملكة المتحدة، فإن البرلمان البريطاني رفض في منتصف الشهر الجاري صفقة رئيسة الوزراء تريزا ماي للخروج من الاتحاد الأوروبي.
كما تم عقد استفتاء لسحب الثقة من تريزا ما من جانب البرلمان، ونجحت في تخطيه بصعوبة، وحتى الآن من غير الواضع ما هو موقف المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي في الفترة المقبلة.
أما آخر الانقسامات فتظهر في فنزويلا، حيث أعلن خوان جوايدو زعيم المعاضة نفسه رئيساً مؤقتاً للبلاد، وأعلن عقد انتخابات مبكرة الفترة المقبلة.
ووسط تأييد أمريكي وأوروبي للخطوة التي اتخذتها المعارضة، ودعم روسي وتركي للرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، فمن غير الواضح الآن علام سينتهي هذا النزاع.